الأصل الثاني: تقدير مقادير المخلوقات
قال رحمه الله: [الثاني: أن التقدير -أي المطابق للعلم- يتضمن مقادير المخلوقات، ومقاديرها هي صفاتها المعينة المختصة بها؛ فإن الله قد جعل لكل شيء قدراً، قال تعالى : ((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا))[الفرقان:2] فالخلق يتضمن التقديرين: تقدير الشيء في نفسه بأن يُجعل له قدرٌ، وتقديره قبل وجوده] يعني: أن الله سبحانه وتعالى خلق الشيء وقدّره -فعّله، من التقدير- فالجذر (ق د ر) إذا جاء منه الماضي (قدّر) فالمعنى: قضى وأمضى، وقد يكون المعنى: جعل له مقداراً، وكلا المعنيين تضمنه تقدير الله تعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى لما خلق المخلوق قدَّره في نفسه فجعل له قدراً، أي: كميةً وهيئةً وصفات معينة يختص بها، وكل ما خلقه عز وجل فقد قدره تقديراً، فلا يقع الشيء إلا في الوقت الذي قدر الله أن يقع فيه، وبالكيفية التي قدر الله أن يكون فيها: طولاً وعرضاً وارتفاعاً ووزناً، وحياة وموتاً؛ فيعيش الإنسان ويموت بقضاء وقدر.
ومن ناحية أخرى (بقدر) أي: في زمن معين، وعمر معين، وحياة معينة... وهكذا، كل منهما يتضمن الآخر، أي: تقديره تعالى للأشياء متضمن لإيماننا بأنه هو الذي قدر كل شيء تقديراً مطابقاً لعلمه الأزلي القديم سبحانه.
يقول: [تقدير الشيء في نفسه بأن يجعل له قدراً، وتقديره قبل وجوده، فإذا كان قد كتب لكل مخلوق قدره الذي يخصه في كميته وكيفيته، كان ذلك أبلغ في العلم بالأمور الجزئية المعينة] أي: قدَّره قبل وجوده ثم قدره في نفسه عند خلقه، فالله عز وجل قدر -مثلاً- أن يخلق فلاناً من الناس، وفي علمه سبحانه وتعالى أن تكون أمه فلانة وأبوه فلاناً في المكان الفلاني، وقدر عمره وطوله وشكله، فكل صفاته المختصة به قدرها سبحانه وتعالى من قبل، إذاً: هذا القدر الذي هو العلم والكتابة، والتقدير الذي بمعنى الخلق والفعل والإيجاد، يأتي مطابقاً لما علمه سبحانه وتعالى عن خلقه، فيخلقه سبحانه وتعالى مقدراً إياه بتلك المقادير المطابقة للعلم السابق. فهذا يتضمن أنه علمه، وأنه خلقه وأوجده وفق علمه تعالى.
[فإذا كان قد كتب لكل مخلوق قدره الذي يخصه في كميته وكيفيته، كان ذلك أبلغ في العلم بالأمور الجزئية المعينة، خلافاً لمن أنكر ذلك، وقال: إنه يعلم الكليات دون الجزئيات، فالقدر يتضمن العلم القديم، والعلم بالجزئيات].
فكأنه رحمه الله جعل الأصل الأول: تضمن القدر للعلم الكلي القديم.والأصل الثاني: تضمنه للعلم التفصيلي، وأخذنا العلم التفصيلي من التقدير؛ لأن تقدير الهيئات والكيفيات لا يكون إلا علماً يستلزم العلم الجزئي التفصيلي، وليس العلم الكلي.